سقوط أهمّ حاميات مأرب وأكبرها: لا عودة إلى الوراء
تختصر المسافات وتتقدّم شرقاً نحو تبّة البس، ومنها تَلِج إلى الدحلة السفلى وحمّة المقهوي القريبة من حمّة المصارية المطلّة على الأحياء الغربية لمأرب، حيث تصبح الطريق سالكة أمام الجيش و«اللجان الشعبية» نحو مستشفى الهيئة العسكري في المدينة. ومن الطلعة الحمراء والتباب المحيطة بها، وتحديداً الواقعة شرقها، يمكن التقدُّم نحو منطقة الجفينة بعد استكمال السيطرة على البلق القِبْلي، كون سقوط «الطلعة» يهيّئ الفرصة للجيش و«اللجان» للتقدُّم نحو مأرب من أكثر من مسار، ويجعل كلّ دفاعات قوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في ما تبقّى من تخوم المدينة، هشّة وغير محصّنة، حتى وإن استُحدثت سواتر ترابية وخنادق للرماة ومخابئ للمدرّعات. ذلك أن تضاريس ما بعد الطلعة الحمراء ليست كما قبلها، والتضاريس - وفق الجغرافيا العسكرية في مأرب - تلعب دوراً مهمّاً في حسم المعركة. وجاءت هذه الخسارة الكبيرة، التي لم تعترف بها قوات هادي كعادتها، بعد أيام قلائل من سقوط جبهة المشجح الواقعة شمال غرب مأرب بشكل كلّي تحت سيطرة قوات صنعاء، لينتقل مسرح العمليات إلى ما بعد المشجح، وتقترب المواجهات من منطقة الميل الواقعة في الأطراف الشمالية الغربية للمدينة.
ميليشيات «الإصلاح» التي تقاتل في صفهّا. وأكدت مصادر قبلية في مأرب لـ«الأخبار» تعرّض قوات هادي والميليشيات التي كانت تقاتل شرق الطلعة الحمراء لـ«الخيانة» من رفاقها في «الإصلاح»، بعد تراجعها تحت ضربات الجيش و«اللجان»، موضحة أن معظم المقاتلين السلفيين يتبعون القيادي الموالي للسعودية، حمدي شكري، وينتسبون إلى محافظتَي لحج وأبين (جنوب). وبيّنت أن قوات صنعاء أطبقت الحصار على قوات هادي في الطلعة الحمراء، بتقدُّمها مساء السبت في تبّة الدحلة، المطلّة على تبّة البس، والمشرفة على خطوط إمداد التشكيلات الموالية لـ«التحالف»، ومن ثمّ بدأت هجومها على الأخيرة منذ فجر الأحد من ثلاثة محاور داخل الطلعة وفي محيطها، ليستمرّ الهجوم أكثر من 12 ساعة متواصلة، ويؤدّي إلى انهيارات واسعة في صفوف قوات هادي، دفعت العشرات من عناصرها إلى الانسحاب من المعركة والعودة إلى مدينة مأرب، ومهّدت لسيطرة الجيش و«اللجان» على عدد من المواقع الحاكمة في الطلعة الحمراء كموقع الشهداء والتبّة البيضاء، فضلاً عن تحقيقهما اختراقاً جديداً وكبيراً شرق الطلعة، تَمثّل في تقدُّمهما شرق الشعب الأحمر وأم قباقيب وأم نخارير. ووصفت مصادر مقرّبة من قوات هادي ما حدث بـ«الخيانة»، لافتة إلى أن قادة بعض الكتائب وجّهوا مقاتليهم بالانسحاب من مواقعهم والتمركز في أطراف الطلعة من اتجاه الشرق. وحول نطاق السيطرة، أفاد أكثر من مصدر بأن قوات هادي لا تزال توجد في أطراف الطلعة الحمراء بعد سيطرة الجيش و«اللجان» على قرابة 80% منها، وأن المواجهات لا تزال محتدمة في الأطراف الشرقية للطلعة، لكن ذلك لا يمثّل أيّ أهمّية عسكرية بعد سقوط كلّ المرتفعات هناك بيد قوات صنعاء، على رغم قيام طيران «التحالف» بشنّ أكثر من 50 غارة على جبهات القتال المشتعلة في محيط مأرب، خلال الساعات الـ48 الماضية.
وكانت معركة الطلعة الحمراء بدأت بتقدُّم الجيش و«اللجان» في جبهات ملبودة والعطيف ووادي البراء والزور والحماجرة وأجزاء من البلق القِبْلي، والتي اتّسمت العمليات فيها بالصعوبة لما فيها من حاميات وحمم وهضاب طبيعية مرتفعة. وعلى رغم إحاطة قوات صنعاء بالطلعة الحمراء من أكثر من اتجاه سابقاً، إلّا أنه كان على واضع القرار العسكري الميداني أن يخوض معركة بأقلّ الخسائر البشرية، ولذا فقد استكمل السيطرة على جبهة هيلان، والتفّ نحو المشجح ليخوض أشرس المواجهات مع قوات هادي التي أعدّت هذه الجبهة كخطّ دفاع استراتيجي على مدى عامين، وعزّزت فيها التحصينات والسواتر الترابية والخنادق ومخابئ السلاح. ومع كثافة الإسناد الجوي بالمئات من الغارات في جبهة المشجح، تمكّن الجيش و«اللجان» من إسقاطها الأسبوع الماضي، لتتراجع قوات هادي إلى أطرافها، وتبدأ العمل على إعادة ترتيب صفوفها خلال الأيام الفائتة، وتشنّ عدّة هجمات استهدفت استعادة ما خسرته على الأرض، إلّا أن محاولاتها باءت بالفشل. إذ استطاعت قوات صنعاء نقل المعركة شمال غرب مدينة مأرب إلى ما بعد منطقة الوايت المحروق ومنطقة الدشوش، واقتربت من اختراق خطّ الدفاع الجديد لقوات هادي في منطقة الميل الواقعة على مشارف الضواحي الشمالية الغربية للمدينة. كذلك، استكمل الجيش و«اللجان» السيطرة على التومة العليا التي تقع في نطاقها تبّة ماهر، وتقدّمت طلائعهما إلى محيط تبّة البس، كما تمكّنا من التقدّم شرق الحمّة الحمراء.
وعلى رغم اعتراف وزير دفاع هادي، محمد المقدشي، في حديث إلى فريق قناة «سي إن إن» الأميركية الذي زار جبهات مأرب الأسبوع الفائت، بأن قوات صنعاء تقدّمت بشكل كبير نحو المدينة، تُواصل الوزارة إيهام الموالين لها بأن موقفها العسكري لا يزال ثابتاً.