السعودية تعرض التفاهم: خسرنا مأرب!

Image

مع استشعارها قرْب خروج الأمور عن السيطرة تماماً في محيط مدينة مأرب، تشتغل السعودية على خطّة التفاف جديدة، عمادها استنساخ «اتفاق استوكهولم» الخاص بمدينة الحُديدة، بهدف حفْظ مركز محافظة مأرب من السقوط، مقابل تسهيل حلحلة الملفَّين الإنساني والاقتصادي. لكن قيادة صنعاء، التي لا تفتأ خطّة قواتها القائمة على القضم التدريجي لأهمّ المعاقل الجبلية تُثبت نجاحاً، تبدي تحفّظاً كبيراً على أيّ مبادرات في الاتّجاه المذكور، خصوصاً أن تجربة الحديدة "المريرة" لا تزال ماثلة للعيان

 

بعد فشل مفاوضات مسقط الأخيرة بين «أنصار الله» والجانبَين الأميركي والأممي، والتي استحوذ الوضع في محيط مدينة مأرب على حيّز كبير منها، تَحرّكت أكثر من وساطة دولية ومحلّية، في محاولة أخيرة لمنع سقوط المدينة ومعها حقول النفط والغاز بأيدي قوات صنعاء. يأتي ذلك فيما يستعدّ الطرفان، على ما يبدو، لمعركة حاسمة في الأيام المقبلة، يحشد كلّ منهما إمكاناته لها، في ظلّ نجاح خطّة الجيش و»اللجان الشعبية» القائمة على القضم التدريجي لأهمّ المعاقل الجبلية قبل الوصول إلى مركز المحافظة. وهو نجاح جعل السعودية تستشعر خطورة الموقف العسكري، ولا سيما مع تداعي خطوط دفاع وكلائها المحيطة بالمدينة، ولذا عمدت إلى تنفيذ عملية لوجستية مزدوجة تَمثّلت، من جهة، في سحب مدرّعات وآليات عسكرية وتكنولوجية خشية غنمها من قِبَل قوات صنعاء؛ ومن جهة أخرى؛ في تعزيز الجبهات بأسلحة مختلفة لا يُشكّل غنمها حرجاً كبيراً للرياض.

وعلى إثر ذلك، وصل المبعوث السويدي إلى اليمن، بيتر سيمنبي، عصر أول من أمس، إلى مدينة مأرب، حاملاً مبادرة جديدة، تستلهم، في بعض نقاطها، المبادرة التي كان قد تَقدّم بها رئيس «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، مهدي المشّاط، خريف العام الماضي، ولم يُكلّف التحالف السعودي ــــ الإماراتي نفسه حتى عناء الردّ عليها. وتستهدف خطّة سيمنبي، الذي استبق زيارته هذه بإجراء مقابلة صحافية تَحدّث فيها عن إمكانية تطبيق اتفاق مشابه لـ»اتفاق الحديدة» (الذي وُقّع في بلاده في أواخر عام 2018) في مأرب، إلى وقف إطلاق النار في كلّ جبهات المحافظة لـ»أغراض إنسانية»، على أن يلي ذلك إبرام تفاهمات مماثلة لـ»تفاهمات استوكهولم»، مكوَّنة من بنود إنسانية وأخرى اقتصادية وعسكرية. وكان المبعوث السويدي قد ناقَش تلك المقترحات مع وفد صنعاء المفاوِض في سلطنة عُمان الأسبوع الماضي، غير أن معلومات «الأخبار» تشير إلى تحفُّظ «أنصار الله» على بعض النقاط في مبادرته، وخصوصاً أن الرجل لم يستطع تقديم ضمانات بإنجاح أيّ من بنودها، فضلاً عن أن تجربة «اتفاق استوكهولم» غير مشجّعة بالنسبة إلى حكومة الإنقاذ التي لا تزال تعاني من الحصار.

مع ذلك، جدَّدت صنعاء، على لسان عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، ترحيبها بأيّ مسعى دبلوماسي لإحلال السلام ورفع معاناة الشعب اليمني، مؤكدةً تلقِّيها نسخةً من المقترحات السويدية، وأنها تعكف على دراستها. وفي الإطار نفسه، أشار مصدر سياسي مقرَّب من «أنصار الله»، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «صنعاء لم ترفض أيّ مبادرات أو مقترحات مسبقاً، وهي ترحِّب بكلّ مساعي السلام، وتُخضِع أيّ رؤى أو مقترحات للحلّ السلمي، للنقاش، وتُقدِّم ملاحظاتها في شأنها». ولفت المصدر إلى أن «المساعي السويدية تهدف إلى نَسخ تجربة وقف إطلاق النار الهشّ في الحديدة»، مُذكّراً بأن «اتفاق الحديدة تضمَّن جوانب إنسانية وأخرى عسكرية وأمنية واقتصادية، ولم يُنفَّذ من تلك البنود سوى وقف إطلاق النار»، فيما «الكثير من اتفاق استوكهولم لا ينطبق على مأرب». يُذكر أن «تفاهمات استوكهولم» رسمت خريطة طريق واضحة المعالم لوصول البضائع والمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وقد وافقت صنعاء آنذاك على نقل آلية التفتيش الأممية من جيبوتي إلى الميناء المذكور، وإنشاء حساب مصرفي لعائداته في المحافظة الساحلية، على أن توضع مع عائدات المرافئ الأخرى لمصلحة رواتب الموظفين، غير أن السعودية لا تزال ترفض تطبيق الاتفاق حتى تُبقي ورقة الحصار بيدها.

وجاءت زيارة المبعوث السويدي لمدينة مأرب، ولقاؤه محافظها المحسوب على «حزب الإصلاح» سلطان العرادة، في ظلّ المساعي الدولية لـ»إنقاذ» آخر معاقل النفوذ السعودي في اليمن. وكان التحالف السعودي ــــ الإماراتي قد لجأ إلى التهويل في شأن سقوط المدينة تحت سيطرة الجيش و»اللجان»، على اعتبار أن ذلك سيدفع «أنصار الله» إلى نقل المعركة إلى المحافظات الجنوبية، حيث توجد قوّات سعودية وإماراتية وأميركية وبريطانية. أيضاً، وعلى رغم نقل 27 مخيّماً للنازحين (من أصل 130) من محيط مأرب، خلال الأسبوعين الماضيين، إلّا أن العمل على استغلال الملفّ الإنساني لوقف تقدُّم قوّات صنعاء نحو مركز المحافظة، لا يزال جارياً. وفي هذا الإطار، يأتي دفْع الرياض، منذ أسبوعين، بالأوراق الدبلوماسية كافة، بغية إبرام اتفاق يَحول دون سقوط المدينة.

على أيّ حال، تشي المؤشّرات الأوّلية بأن مبادرة المبعوث السويدي سيكون مصيرها الفشل، إذ إن العرادة تحدّث، خلال لقائه سيمنبي، عن قدرة قوّات هادي وميليشيات حزب «الإصلاح» على المواجهة. وهو ما جاء عقب تحذيرات من قِبَل ناشطي «الإصلاح» من التجاوُب مع المساعي السويدية، إذ عَدَّ هؤلاء القبول بالمقترحات الأخيرة بمثابة تثبيت لسيطرة قوات صنعاء على أكثر من 85% من مديريات المحافظة. ووفقاً لمصادر سياسية مطّلعة، فإن مقترحات سيمنبي تنصّ على وقف فوري لإطلاق النار في مختلف جبهات محيط مدينة مأرب، يليه توسيع نطاق مهمات اللجنة الأممية لوقف إطلاق النار في الحديدة لتشمل حزام مأرب. وأوضحت المصادر أن البنود التي انزعج منها العرادة، أيضاً، تتعلّق بضمان إيصال المساعدات إلى كلّ مخيمات النازحين، وفتْح الطريق العام الرابط بين العاصمة صنعاء ومدينة مأرب بطول 17 كيلومتراً لتسهيل مرور المواطنين، وإعادة ربط كهرباء مأرب الغازية التي تغذِّي العاصمة وعدداً من المحافظات الواقعة تحت سيطرة صنعاء بـ 360 ميغاوات من الطاقة، واستكمال المرحلة الثانية من مشروع «غازية مأرب» الذي سيمدّ اليمن بأكثر من 400 ميغاوات من الكهرباء، وتوريد إيرادات نفط وغاز منشأة صافر النفطية إلى حساب خاص في فرع المصرف المركزي في المدينة، وتخصيصها لحساب رواتب موظفي الدولة وفق كشوفات عام 2014، وضمان تدفّق المشتقات النفطية من مأرب إلى المحافظات كافة.

 

هجمات «القاعدة» في أبين وشبوة: سياق سعودي واحد

بعد أيّام على استهداف تنظيم «القاعدة» حواجز أمنية لقوّات «الحزام الأمني»، التابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي لأبو ظبي، في عدد من مديريات محافظة أبين (جنوب)، هاجم التنظيم، الأحد الماضي، قوات إماراتية في منشأة بلحاف في محافظة شبوة (جنوب شرق) كما أعلن، قبل أيام، مسؤوليّته عن إطلاق صاروخين على القوات الإماراتية في المنشأة الغازية، بعدما كان قد توقّف عن تنفيذ هجمات داخل المحافظة منذ عام 2018. وجاءت تلك الهجمات بالتزامُن مع مشاركة «القاعدة» في القتال إلى جانب الميليشيات المدعومة من السعودية، ضدّ «أنصار الله»، في محافظة مأرب.

وجود التنظيم في مناطق النفوذ السعودي المهدَّدة، يثير أكثر من علامة استفهام، ويقدِّم في الوقت نفسه أجوبة غير مباشرة على أسئلة يطرحها أنصار «الانتقالي» بعد كلّ عملية، من قبيل: لماذا لا يهاجم «القاعدة» القوات التابعة للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي؟ غير أن مثل هذه التساؤلات لم تَعُد منطقية، إذ إن الأمر تجاوَز تجنُّب مهاجمة القوات المحسوبة على هادي، إلى القتال في صفّها، ضدّ «المجلس الانتقالي» في الجنوب، وضدّ «أنصار الله» في الشمال. وفي الحالتين، لا يقاتل التنظيم لأجل السيطرة على تلك المناطق، بغرض إقامة إمارة إسلامية، كما كان يفعل في السابق، وإنّما لإبقائها تحت سيطرة القوات المدعومة من السعودية، والتي ينتمي معظم أفرادها إلى «حزب الإصلاح» (إخوان اليمن).

لكن، ما هي مصلحة «القاعدة» من القتال لتثبيت النفوذ السعودي في مناطق يمنية؟ باختصار، لأنه لن يجد ملاجئ آمنة لعناصره إن فَقَدت السعودية نفوذها في تلك المناطق. ومع اشتداد المعارك في محافظة مأرب، واقتراب «أنصار الله» من مركزها، آخر مناطق النفوذ السعودي شمالاً، أدركت المملكة أن الإمارات ستكون الرابح الوحيد جنوباً، على اعتبار أن خسارة السعودية لحربها في الشمال، ستعطي القوّات المطالِبة بالانفصال الحقّ في فرض سيطرتها على كلّ مناطق الجنوب. لهذا لجأت الرياض إلى ورقة تنظيم «القاعدة» لإرباك «الانتقالي»، خصوصاً بعدما قيَّدت القوات التابعة لهادي في المحافظات الجنوبية الملتهبة، بـ«اتفاق الرياض»، ما يشير إلى أن العمليات التي تستهدف التشكيلات التابعة للإمارات ستتصاعَد خلال الفترة المقبلة.

المصدر : جريدة الأخبار