عودة «داعش» على الايقاع الأميركي

Image

تسعير العمليات في سوريا: داعش يلملم شتاته

عن سقوط شهداء وجرحى بين المدنيين والعسكريين السوريين، فيما اندلعت اشتباكات بين عناصر من التنظيم حاولوا التسلّل في اتجاه مواقع للجيش السوري في محور بلدة الرهجان في ريف السلمية الشمالي الشرقي. وقبيل نهاية العام الفائت، لقيَ نحو 30 عسكرياً مصرعهم في هجوم استهدف حافلة على طريق دير الزور ـــــ تدمر في منطقة كباجب، بعدما نصب مقاتلو التنظيم «كميناً لثلاث حافلات كانت تسير على الطريق السريع وتقلّ جنوداً من الفرقة الرابعة في الجيش السوري... وفيما تمكّنت حافلتان من الفرار، قُتل عدد كبير ممَّن كانوا على متن الحافلة الثالثة»، بحسب ما تفيد مصادر ميدانيّة. والهجوم الثالث من نوعه في منطقة كباجب في ريف دير الزور، كان قد سبقه، في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، آخر نفّذه مجهولون ضدّ آلية عسكرية لعناصر الحرس الجمهوري في الجيش، لدى خروجها من بلدة إنباج غربي الرقة، ما أدّى إلى مقتل اثنين وإصابة آخرين. وفي الـ 19 من الشهر نفسه، فقدت «الفرقة الرابعة» الاتّصال بخمسة من عناصرها في منطقة جبل البشري الواقعة على الحدود الإدارية بين محافظتَي دير الزور والرقة، ويعتقد بأن مقاتلي «داعش» عمدوا إلى تصفيتهم.

قاعدة التنف... منطلق العمليات

يؤكد مصدر ميداني في الجيش السوري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «خلايا داعش جدّدت نشاطها أخيراً في محورَين رئيسَين: الأول مُثلّث باديتَي حمص ودير الزور والحدود العراقية؛ والثاني البادية الفاصلة بين حماة والرقة ودير الزور. ويلفت إلى أنه «تمّ رصد ومتابعة العديد من مجموعات التنظيم أثناء دخولها البادية وخروجها منها، وتبيّن أن الأخير ينظّم عدداً من هجماته انطلاقاً من منطقة التنف، ومن محيط القاعدة الأميركية فيها». في هذا السياق، يتّهم مصدر رفيع المستوى في الجيش، في حديث إلى «الأخبار»، واشنطن بـ»تسهيل حركة مجموعات داعش ودعمها، بهدف ضمان عدم استقرار المنطقة أمنياً، بما يخدم حرب الاستنزاف التي يتعرّض لها الجيش السوري وحلفاؤه على طول البادية وعرضها»، وبالتالي الهدف الأميركي المتمثّل في محاولة قطع التواصل بين المنطقة الشرقية من جهة، ودمشق وحمص من جهة ثانية. ويفيد المصدر بأن القوّات الأميركية في شرقي الفرات «تُجنّد بعض معتقلي داعش لدى القوات الكردية، وتنقلهم إلى البادية السورية والحدود مع العراق، ومن هناك يتّصلون مع باقي أفراد التنظيم المتوارين في البادية، لينخرطوا في الأعمال العسكرية من جديد». وبحسب مصادر محلّية في منطقة شرقي الفرات، «شهدت مناطق الشدادي والحسكة وغيرهما، في الآونة الأخيرة، نشاطاً ملحوظاً للآليات العسكرية الأميركية داخل سجون تحوي معتقلين من مسلّحي داعش». وتشير هذه المصادر إلى أن «التحالف الدولي نقل عدداً من معتقلي التنظيم من السجون الكردية إلى الحدود العراقية من دون معرفة وجهتهم النهائية». ويبدو أن عملية «الصحراء البيضاء»، التي أطلقتها القوات الروسية، بالتعاون مع الجيش السوري، في آب/ أغسطس الماضي، بعد مقتل أحد ضباطها بعبوة ناسفة شرقي دير الزور، لم تسفر عن تقدّم واضح في مكافحة خلايا التنظيم في البادية. إذ، بحسب إحصاء نشرته الوكالة الإعلامية التابعة للتنظيم، «نبأ»، بعنوان «حصاد الأجناد»، بلغت حصيلة عمليات «داعش»، في أسبوع واحد فقط من الشهر الحالي، 12 عملية أدّت إلى مقتل 28 فرداً في «ولاية الشام»؛ و30 عملية أودت بحياة 40 في «ولاية العراق».

 

«نبوءات» عودة التنظيم

في نهاية عام 2019، أي بعد حوالى تسعة أشهر من إعلان «التحالف الدولي» القضاء على آخر معاقل «داعش» في الباغوز، أعلن قائد قوة المهام المشتركة لعملية «العزم الصلب»، روبرت وايت، «استئناف واشنطن وقسد عمليّاتهما ضدّ التنظيم بهدف هزيمته». وسبق وايت في الكشف عن استئناف التحالف حربه هذه، إعلان وزير الدفاع الأميركي السابق، مارك إسبر، «بقاء قوّات بلاده في سوريا»، رابطاً انسحابها بـ»هزيمة» التنظيم بالكامل. ويبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها في «قسد»، «توقّعتا»، باكراً، عودة نشاط التنظيم في المنطقة الشرقية. وهي تَوقُّعات تثير تساؤلات عديدة، ربطاً باستئناف «داعش» حراكه، في الأشهر الأخيرة، وبمصلحة «قسد» المحافظة على شراكتها مع الأميركيين في الحرب على التنظيم، كضمانة لبقاء هذه القوّات إلى جانبها، في ظلّ التهديدات التركية والسورية والروسية التي تتعرّض لها. في الوقت ذاته، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن إدارة باراك أوباما، على رغم أنها ساهمت بشكل أو بآخر في تمدّد التنظيم، وجّهت له ضربات عديدة، عبر التحالف. كما تجدر الإشارة إلى أن الطائرات الأميركية هي التي قتلت أبرز قادة التنظيم (أبو علاء العفري، وأبو عمر الشيشاني، وأبو مسلم التركماني، وأبو محمد العدناني، وغيرهم)، فيما استهدفت زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، في عهد إدارة ترامب.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حسم قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، كينيث ماكنزي، الجدل حول استمرار الولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» في سوريا والعراق، حين أشار إلى أن المعركة «قد تستمرّ لأجيال»، نظراً إلى وجود «أكثر من عشرة آلاف عنصر تابع للتنظيم». «نبوءات» عودة نشاط التنظيم لم تقتصر على واشنطن وحليفتها «قسد»؛ فقبل أيام قليلة، أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، احتمال عودة «داعش» إلى الظهور مجدداً، مشيرةً إلى أنه «لم يتمّ اجتثاث التنظيم في بلاد الشام. لذا نحن لا نزال هناك عبر مهمّات تدريبية، وعبر مقاتلاتنا».

انتقامٌ... لا عودة

عودة تنظيم «داعش» إلى العمل العسكري مرتبطة بأسباب عدّة؛ أوّلها داخلية تتعلّق بإعادة التنظيم هيكلة قواته، بعد عمليات الفرار التي قام بها عناصره من سجون «قسد» في ريف الحسكة، وبعض هؤلاء من الأجانب المدرّبين، الذين رفضت الدول الأوروبية استقبالهم، ومن بينهم أيضاً قادة ميدانيون لهم باعٌ طويل في القتال في العراق وسوريا. كذلك، يمكن الحديث عن عودة البيئة الحاضنة للتنظيم في بعض قرى شرقي الفرات إلى حماية عناصره، بسبب فشل القوات الكردية في إدارة المنطقة، وتعاطيها «العنصري» مع الأهالي هناك، وفرضها الضرائب على السكّان، فضلاً عن حرمانهم من المشاركة في إدارة منطقتهم، وفرض التجنيد الإلزامي على شبان المنطقة العرب. أما بالنسبة إلى العراق، فيعتقد مراقبون لمسار التنظيم بأن «إهمال الحكومة العراقية للمناطق المدمّرة في البلاد، والتي احتضنت داعش في فترات سابقة، دفعت الأهالي هناك للعودة إلى حماية أفراد التنظيم». ولا تحتاج تحرّكات «داعش» الحالية، إلى عدد كبير من الأفراد، حيث يُلاحظ غياب عمليات الاقتحام الكبيرة أو ما يُعرف بـ»الانغماس»، والتي يستعاض عنها بعمليات «اضرب واهرب»، ما يعني أن تصاعد العمليات غير مرتبط بهيكليات جديدة أقدم عليها التنظيم، بل هي عودةٌ إلى الأصل، حيث تعمل كل مجموعة من تلقاء نفسها بما يخدم الأهداف العامّة لـ»داعش»، من دون وجود إدارة مركزية للعمليات كما كانت الحال في السابق. وبحسب مراقبين، فإن التنظيم «يعمل (راهناً) وفق هيكلية مرِنة، بهدف تحقيق أكبر قدر من الخسائر في صفوف القوات العراقية والسورية وقسد. وهذا ما يُصطلح على تسميته النكاية».

وعلى رغم أن عمليات «داعش» لم تهدأ منذ هزيمته في الباغوز، إلّا أنه لا يزال من المبكّر الحديث عن عودة حقيقية لـ»التنظيم». عملياتٌ يمكن وضعها في إطار «الانتقام»، وليس العودة، وخصوصاً أن التنظيم لا يخطّط، بحسب مراقبين، لإعادة قيام الدولة، في أعقاب التغييرات الدولية والإقليمية التي طرأت، فضلاً عن أنه يُدرك صعوبة الإمساك بالأرض في هذه المرحلة وفي المدى المنظور. كما يعتقد هؤلاء بأن التنظيم يفتقر، في الوقت الحالي، إلى «رجالات الدولة، ممّن يستطيعون إعادة إحيائها، بعد مقتل معظم القادة المؤثّرين والفاعلين». وفي حين يحتاج، حالياً، إلى قادة يتميّزون بـ»شخصيّات قيادية»، إلّا أن هذا غير متوفّر في الخليفة الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي، الذي يُعدّ منظّراً عقائدياً للتنظيم، أكثر منه قائداً. وفي الوقت الحالي، ليس هناك معلومات وافرة عن قادة «داعش» الحاليين، ولا عن توجّهاتهم، فالمرحلة الحالية هي مرحلة «النكاية»، تمهيداً للوصول إلى مرحلة «التمكين»، أي السيطرة على الأرض وتمدّد النفوذ، والتي تبدو حالياً بعيدة المنال.

الدولة ليست واقعا: الثار لانتصار العراق

بعد ساعاتٍ على تبنّي تنظيم «داعش» جريمة «ساحة الطيران»، وسط العاصمة العراقية بغداد صباح الخميس الماضي، وإعلانه، رسميّاً، العودة إلى ميدان المواجهة، حملت ساعات أول من أمس «غزوةً» لإرهابيّي التنظيم شرقي مدينة تكريت (قاطع العيث)، في محافظة صلاح الدين شمال البلاد. الكمين المنفَّذ بأسلحةٍ خفيفة، أسفر عن استشهاد 11 منتسباً لـ«الحشد الشعبي»، وجرح عددٍ آخر، في وقتٍ أكّد فيه رئيس «هيئة الحشد»، فالح الفياض، أن الأخير «قدّم مجموعة من الشهداء حتى لا يضرب الإرهابيون مدننا مرةً أخرى».

«يشي التسارع في وتيرة الأحداث الأمنيّة بأن إرباكاً يلوح في الأفق»، على حدّ توصيف مصدر أمني مطّلع تحدّث إلى «الأخبار». وتفرض قراءة المشهد الإشارة إلى ثلاثة عوامل، بوصفها محرّكات/ دوافع الأحداث الجارية:

1- انسحاب قوات الاحتلال الأميركي؛ في الساعات القليلة الماضية، أكّد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أن حكومة بلاده ستطلب من ​الإدارة الأميركية​ الجديدة «مواصلة اجتماعات الحوار الاستراتيجي، وتحديد فريق تفاوضي جديد من جانبها، لبحث الموضوعات الأمنيّة والعسكريّة الخاصّة بوجود ​القوّات الأميركية​ في العراق»، بعد قرار إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، خفض عديد القوات المنتشرة في هذا البلد. وفي هذا السياق، يقول مقرّبون من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إن هذا الأخير، وطوال الأشهر الخمسة الماضية، وكنتيجةٍ لاتصالات مكثّفة مع واشنطن، «استطاع أن يبرم تفاهمات معقولة، أدّت إلى انسحاب أكثر من 3000 جندي أميركي»، في وقتٍ يُنتظر أن تستكمل فيه الإدارة الجديدة هذه التفاهمات، والتي تقضي بانسحاب شامل، مع الإبقاء على عدد محدود من المستشارين المنسَّق عملهم مع قيادة «العمليات المشتركة».

قيادة «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة العراقية تصف هذا العامل بـ«التحدّي الجدّي»، ولا سيّما أن الفراع الميداني سيُملأ بأحد ما، وليس ممكناً أن «يُسند هذا الدور إلى حلفاء طهران»، يقول هؤلاء في سياق حديثهم إلى «الأخبار». فراغٌ له تفسير واحد: «على محرّكي داعش أن يدفعوه نحو ملئه». ولهذا التفسير وجهان أيضاً؛ الأوّل، الدفع بالتنظيم إلى العودة والتمدّد في المحافظات الشماليّة والغربيّة، بالتوازي مع تكثيف العمليات الأمنية في مختلف المحافظات، ما يعني - تلقائيّاً - إرباك المشهد، ومنح الإدارة الأميركية «حجّة للبقاء» (إن تصاعدت مناشدات القوى السياسية المحسوبة على البيتَين الكردي والسُنيّ، وبعض القوى الأخرى المحسوبة على البيت الشيعي)، أو «حجّةً للعودة»، وخصوصاً أن وجوهاً أمنيّة بارزة لا تستبعد سقوط مدنٍ بأيدي الإرهابيين، في حال فُقدت مبادرة الهجوم راهناً. أما الوجه الثاني، وفق هؤلاء، فمردّه إلى «رغبة الأميركيين في انسحاب هادئ»، بعيداً عن النار والمواجهة؛ وعليه، فإن عودة «داعش» ليست سوى إلهاء لـ«الحشد والفصائل».

ثمة تقديرات أمنيّة ترجّح عودة العمليات العسكرية ضدّ قوات الاحتلال الأميركي، في الأسابيع القليلة المقبلة، بمعزلٍ عن توجّهات الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه طهران وبغداد. هنا، يسلّط الضوء عددٌ من قادة «الحشد» وفصائل المقاومة، المؤمنين بمدى العلاقة الوثيقة بين قوات الاحتلال (وبعض أجهزة الاستخبارات العربية) و«داعش»، على حقيقة التحرّكات الأخيرة، بوصفها دفعاً في اتجاه «تأمين البلاد، وحمايتها»، وصرف النظر عن تحرّك القوات الأميركية. فبعض الفصائل ترغب في أن يكون «انسحاباً تحت النار، وليس عن طريق الدبلوماسية».

في المقابل، يرفض مقرّبون من الكاظمي هذا التفسير. يسأل هؤلاء، في سياق حديثهم إلى «الأخبار»، هل تسعى واشنطن إلى إفشال تجربة الكاظمي؟ فالرجل بوصفه «أميركيّاً» من قِبل حلفاء طهران، يعمل على تكريس تجربةٍ في الحكم خاصّة به، وهو يحظى بدعم أميركي – إيراني واسع؛ وعليه، «لا يمكن الاستناد إلى هذا التفسير، بل يفرض مطالعة خاصة بالتنظيم».

2- التنظيم؛ ثمة أسئلة كثيرة تتصدّر المشهد الأمني، جلّها يتعلّق بـ«داعش» الذي استطاع، طوال العامين الماضيين، إعادة بناء نفسه، آخذاً في الاعتبار المتغيّرات الإقليمية والدولية، وعجزه عن تكريس نفسه كـ«دولةٍ» مستقلّة. يقول أمنيّون إن قدرات التنظيم البشريّة لا تزال على حالها؛ فمَن «اختفى» إبّان المعارك (يناهز عددهم 10 آلاف إرهابي)، ومَن سجن في العراق أو سوريا، عاد إلى الميدان مجدّداً (أخفقت الحكومة السابقة في معالجة ملف السجناء الإرهابيين). ومع أن التنظيم فقد جزءاً يسيراً من قدراته الماليّة، وتحديداً في الشقّ المتعلّق بسيولة نقده، إلّا أنه حافظ على بعضها، إضافة إلى كميّة مقبولة من الذهب. ويُلاحظ، في الأشهر الأخيرة، أنه عاد إلى تسديد مستحقّات مقاتليه في سوريا والعراق، بعدما عادت الحركة المالية الخاصّة به، إلى الحياة. في محافظتي ديالى وصلاح الدين، على وجه الخصوص، تدلّ المعطيات على أن «داعش» سيعود وبقوّة، ولكن بتكتيكات مختلفة، واستراتيجية مغايرة؛ فـ«الدولة لم تعد واقعاً، بقدر الثأر لانتصار العراق أواخر الـ 2017».

الثابت في بغداد، راهناً، أن «داعش» لم يهدأ منذ عام 2018. قاد عمليات عديدة ومماثلة لتلك التي وقعت في تكريت، وأدّت إلى استشهاد أكثر من 100. هو تحدٍّ قائم مرتبط بعوامل محلية بنيوية عراقية وأخرى إقليمية ودولية، لكن المريب أن قراءة حراك التنظيم لا تزال عرضة للنقاش السياسي، وحسابات مختلف القوى، عدا عن قراءاتها الخاصّة للمتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية. هذا التحدّي، وفي ظل غياب قائد «قوّة القدس» قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، سيكون مكلفاً، ولن يأخذ شكل المبادرة، في ظل التركيبة القائمة التي أولت أهميّة لمصالحها ومكتسباتها على حساب الملف الأمني.

3- غياب الاستقرار السياسي والمصالحة المجتمعيّة؛ الترابط عضوي بين الاستقرار والمصالحة، وغياب الأمرَين يفتح فجوة من شأنها أن تُملأ بالتطرّف. فغياب الثقة بين المكوّنات العراقية، وعجز الأحزاب والقوى السياسية عن إجراء مراجعة شاملة للمرحلة الماضية، وتسييل ذلك، لاحقاً، في الشارع العراقي، تعني الدفع في اتجاه التطرّف أيضاً.

اليوم، ثمة تشابك كبير في المشهد العراقي قبيل الانتخابات التشريعيّة المرتقبة في العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، بوصفها انتخابات مفصليّة، من شأنها أن تحسم «وجهة» البلاد، شرقاً كانت أو غرباً، في وقتٍ تبرز فيه هذه الاستحقاقات المتشعّبة والمكلفة. أمنيّاً، ينذر المشهد بسوء. اقتصادياً واجتماعياً، لا مناص من الانفجار في ما لو فشلت القوى والأحزاب في لملمة شتاتها. يبقى التحذير الدائم من سرعة سقوط «عراق 2003»، وتداعياته في ظلّ غياب إرادة المعالجة.

المصدر: جريدة الاخبار