آية الله قاسم :تطبيع المطبّعين وتآمر المتآمرين من الأنظمة الرسمية لن يكون عائقاً عن تحقيق النصر.. والدفاع عن القدس دفاعٌ عن حريم الأمّة

Image

كلمة آية الله قاسم في «مؤتمر القدس الشريف» الافتراضي الدولي قال سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الكلمة التي ألقاها أمام مؤتمر القدس الشريف الدولي الافتراضي الذي نظمته الجهات الرسمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنّ الدفاع عن القدس دفاعٌ عن الدين الحقّ، وقيمه العليا، وعن حريم الأمّة، وعن كرامة الإنسان، وهدفه أكبر وأوسع مِنْ انقاذ الأمّة الإسلامية فقط. وأكد سماحته في المؤتمر الذي أقيم عصر الاثنين ٢٤ رمضان ١٤٤١هـ/ ١٨ مايو ٢٠٢٠م بمناسبة يوم القدس العالمي بمشاركة ممثلي حركات وأحزاب وفصائل المقاومة بأنّ تآمر المتآمرين وتطبيع المطبّعين من الأنظمة الرسمية لن يوقف حركة المقاومة ولن يشكل عائقاً أمام التفاف الجماهير حولها ومواصلة الطريق حتى تحقيق النصر. وخاطب سماحته جماهير الأمّة “يا جماهير الأمّة المؤمنة وجبهات وفصائل المقاومة فيها.. ليس اليوم إلاّ المقاومة بعد المقاومة، المقاومة المُتَّصلة بالمقاومة، المقاومة التي لا تترك ساحةً من ساحات الجهاد بلا مقاومة.. حتّى النصر بإذن الله”. نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم السلام على القائمين بهذا المؤتمر المُبارك وعلى جميع الفصائل المقاومة والمجاهدين في سبيل الله، والسائر على الطريق الصَعْب للمسجد الأقصى وتحرير القدس وفلسطين كلّها وإنقاذ الأمّة ورحمة الله وبركاته. (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) – سورة الإسراء، الآية 1. المسجد الأقصى القبلة الأولى لرسول الله “صلَّى الله عليه وآله” والمسلمين، وهو مسرَى نبيّ الله، وآخر عهدٍ للمسجد الأقصى برُسلٍ مِن رسل الله هو عهده بخاتم النبيِّين وأعظمهم “عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام”، وإنَّه لَمَحضَنُ محاريب الأنبياء، وفي بقعته المباركة مدافن زمرةٍ كريمةٍ منهم. والمسجد الأقصى ليس قطعة أرضٍ تُتَنَاقل مِن يدٍ مُوَّرِثة إلى يدٍ أخرى وارثة، ولا مُلكاً لأحدٍ يُباع ويُشترى، إنَّه مركزٌ عظيم متميِّز يلحق في شرفه المسجد الحرام في مكة المشرّفة ومسجد رسول الله الأعظم “صلَّى الله عليه وآله” في المدينة المنوَّرة، مسجدٌ خالصٌ لعبادة الله عزَّ وجلّ وحده بلا ندٍّ ولا شريك، ولينطق كلُّ ما يُؤتى به فيه بتوحيد الله الخالص، ويشعّ كلَّ تاريخه بقضيّة التوحيد، وليتساند مع بيت الله الحرام، ومسجد الرسول “صلَّى الله عليه وآله”، ومع الثلاثة كلُّ بيتٍ آخر للعبادة يؤسس على تقوى مِن الله في هداية أهل الأرض جميعاً والأخذ بهم في الطريق الصاعد إلى الله سبحانه وتعالى. والولاية عليه لأهل التوحيد الصِدْق والتقوى الحقّ ممَّن يُصدِقون الوفاء لدين الله، ولا يدخل في عبادتهم له شرْك، وليس مِن أمّةٍ هي أقرب إلى ذلك مِن أمّة رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”، والتي لم يبقَ لأمّةٍ أخرى ما بقي لها مِن صدْق التوحيد لله عزَّ وجلّ، وما بقي لدينٍ سماويٍ آخر مِن ذلك ما بقي في كتب الأديان ما بقي للإسلام في كتابه المجيد وسُنَّة نبيِّه “صلَّى الله عليه وآله”. ومِنْ أين للصهيونيّة ما يؤهلها للولاية على المسجد الأقصى مِنْ شرط التوحيد المعرفي والعملي لله وحده، والإخلاص له، والتخلُّق بخُلُق عدله ورحمته ولطفه وسَعَة رأفته بعباده، وهي عنوان العنصريّة المقيتة، وضيق أُفق النفْس، والسفّاكة للدِّماء، والمُحتقِرة لشعوب العالم والأمم الأخرى، والمُستكبرة في الأرض، والمستبيحة للحُرُمات، والناهبة للأراضي، والمشرِّدة للآمنين من ديارهم، والتي لا ترعى ذمّةً، ولا تفي بعهْد؟! المسجدُ الأقصى، والقدسُ وفلسطين، لا سلامة لشيءٍ منها إلاّ بسلامة الجميع، ولا سلامة لها جميعاً إلاّ بِمنْعَة الأمّة ومقاومة الأمّة، ودفاع الأمّة، وتوَّفرها على أسباب الغلَبَة والنصْر، واجتماع كلمتها على بذْل الجُهد كلِّ الجُهْد والسخاء بالتضحيات، والأخْذ بالتخطيط ونَظْم الأمر، والتوَّفر على دافعيّة الإيمان، والغيْرة على حماية دين الله والمقدّسات والحدود والمصالح الدينية والدنيويّة، وبناء القوّة الصالحة، والتحلِّي بالوحدة، ونبْذ الفُرقة، وعُلوّ الهمّة، والحركة الدؤوبة المُخلِصَة لوجْه الله الكريم. لابُّد مِنْ توحيد المواقف، تكامل المواقف، مِنْ التخطيط والتنظيم، والتنمية وطلْب القوّة، وتوسيع القاعدة، وتحشيد الأمّة، وتغطية كلّ ساحات الجهاد التي تتطلّبها المقاومة، ومِنْ التعرُّف على قوّة العدو، ومِنْ بناء ثقة الأمّة، واعطاء الدافع الديني القويّ والنظيف، والهدف الإلهي الصِدْق، الحضورَ الحيَّ في كل المضائق وأمام كلّ عقبات الطريق، وبالدرجة الفعَّالة لتحريك الهِمَم، وسلامة القصْد، وبَعْث روح التضحية والبذْل، وسلوك الطريق الصحيح القويم الموصل إلى الله تبارك وتعالى والمُحقِث للنصر من أجل دينه. ومسؤولية ذلك كلّه أوَّل ما تَقَع على كاهل العلماء الصالحين، والمثقفين الإسلاميين المُخلصين، والتنظيمات الهادفة لانقاذ الأمّة ومقدّساتها، وعزّة الدّين وسيادته، وسلامة الديار الإسلامية مِنْ كلّ الأخطار والتحدِّيات، ومن أجل استرداد الحقوق المسلوبة. التخطيط والتنظيم، والتحشيد والتنوير، والدَفْع، والتبصير، والتنسيق والضبْط والقيادة والتحكُّم، وكلّ التشكيلات المُنتجة تبدأ مِنْ هنا، ومِنْ هنا يبتدئ طريق النجاح أو الفشل لا سمَحَ الله، والممارسة المُرضية لله أو المُغضبة له، والمحافظة على الهدف أو تضييعه. وكلَّما توحّدت القيادة وكانت أقرب في مواصفاتها لمقرَّرات الدين وشريعته، وكانت أشدَّ إيماناً، وأدقَّ بصيرة، وأكثرَ خبرة، وأقوى شجاعةً، وأعلى هِمّة، وأكثر وأطوَل صبراً، وأوسعَ صدْراً، وأثرى معرفةً، وأغنى تقوىً وورعاً؛ كانت المسيرة الجهاديّة للأمّة أهدى وأقرب إلى الهدف الكبير والنصْر المُشرِّف. والأمْر على العكس كلّما كان تخلّفٌ أو ضعفٌ في هذه الشروط. ولا نصْرَ مع الفرقة، ولا قوّةَ مع التشتُّت، ولا ادراكَ للمطلوب مع النسيان لله، والمَيْل عن خطّ مرضاته. والعمل للنصر ليس موسميَّاً، ولا عملَ خاصاً بالمناسبات فحسب، وليس عملاً متقطِّعاً ولا مبعثراً، ولا متعارضاً، ولا يقوم على الضجيج، ولا على الاجتهادات المُنفرِدة والمرتجلة. ولا عملَ يُرجى منه النجاح ممَّا يقوم على رعاية المصالح الشخصيّة أو الحزبيّة أو القِطْرِيَّة، أو الطائفيّة على حساب المصلحة العامة للإسلام والأمّة، وهي المصلحة العليا التي يجب أنْ ينظُر إليها كلّ جهاديٍّ في سبيل الله. العمل على طريق النصْر الموصل له، عملٌ دائمٌ دؤوبٌ قائمٌ على الاستقراء والتخطيط والتنظيم والتكامل ووحدة القيادة. والهدف المُوصل للنصْر والذي يجب أنْ تخدمه كلُّ الأهداف الأخرى، وتصبُّ في مصلحته، ولا تنفصل عن طلَب تحقيقه، والذي يجب أنْ تجتمع عليه كلّ الجهود ويوَحِّد كلَّ الفئات هو الحفاظ على المصلحة الإسلامية العليا المتمثلة في بقاء الإسلام وبقاء الأمّة، وهو عودة الإسلام والأمّة بقوّة وعزّتُهما وسيادة الإسلام والأمّة بدرجةٍ مِنْ المِنْعَة بحيث لا تُحدِّث دولةٌ مِن دول العالم بالنيْل مِن عزَّتهما وكرامتهما ومصالحهما. وفي عزّة الإسلام وأمّته ومنفعتهما وعزّتهما كلُّ الخير للعالم كلّه. وكلّما تَشبَّعَت القواعد الجماهيريّة في الأمّة فضلاً عنْ نخبها بروح الإسلام، وتبصّرت وتَشبَّعَت بالهدف الإسلامي، وتَحَلَّت بالأخلاقيّة الإسلامية وصفات الشخصيّة الإسلامية، كلّما كنَّا أقرب للنصْر، وأبعد عن الهزيمة. وتستحيل الهزيمة على أمّةٍ عَرفت الإسلام وآمنت به واتخذته منهجاً لا تفارقه في حياتها وقصدَت قصْده، والتزمت بأخلاقيّته. ويستحيل على نصْرٍ يُكتَب لهذه الأمّة أنْ يكون في مضرَّة الإنسانية إلى أي قوميّةٍ كان انتسابها، وإلى أي عنصرٍ كان مرجعها، وفي أي شبْرٍ مِنْ الأرض كان مأواها. إنَّ الدفاع عن القدس دفاعٌ عن الدين الحقّ، وقيمه العليا، وعن حريم الأمّة، وعن كرامة الإنسان، وهدفه أكبر وأوسع مِنْ انقاذ الأمّة الإسلامية فقط. الهدف انقاذُ كلّ الأمم، وكلّ القوميّات والأعراق والمناطق والأقطار مِنْ الجاهليّة الحديثة وظُلماتها وعدوانيتها وضلالها وطغيانها، وتحرير الإنسان مِن قيودها وأغلالها واِصرها ونسف كلّ أثرٍ بقى من الجاهلية الأولى. ولئن كان تخاذُلُ المتخاذلين مِن أبناء الأمّة وتطبيع المُطَّبعين وتآمر المتآمرين من كثيرٍ من أنظمتها الرسميّة وحكوماتها يُمثّل متاعب جمّةً أمام حركة المقاومة إلاّ أنَّ استكمال المقاومة لشروط النجاح في ذاتها والتفاف جماهير الأمّة حولها، واصرار الجميع على المقاومة، ومواصلة طريق الجهاد لن يجعل شيئاً ممَّا ذُكِرَ عائقاً عن تحقيق النصْر، ونيْل المُبتغى، كيف وقد وعدَ الله بالنصْر لمَن نصره، ووعدُ الله غير مكذوب، وقضاؤه وقدره غير مردود، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) – سورة محمد، الآية 7. يا جماهير الأمّة المؤمنة وجبهات وفصائل المقاومة فيها.. ليس اليوم إلاّ المقاومة بعد المقاومة، المقاومة المُتَّصلة بالمقاومة، المقاومة التي لا تترك ساحةً من ساحات الجهاد بلا مقاومة.. حتّى النصر بإذن الله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.. يا علماء الأمّة ومثقفيها الحقيقيين، لتكونوا الجبهة الأكثر مقاومةً وجهاداً وتفانياً واخلاصاً ووفاءً لدين الله ورعايةً لحُرمات الأمّة ومصالحها، وحفاظاً على حدود بلادها، والمَثَل الأعلى في ابراز الصورة الإسلامية المُثلى الأشدّ صِدْقاً وهدى واشعاعاً وجاذبيّة. ادفعوا بالأمّة كلّها ما استطعتُم على طريق المسجد الأقصى لعزّة الدين والأمّة، وصلاح الإنسانية كلّها، وأنتم تَتَقدَّمون كلّ الصفوف. والسلام على جميع أبناء الأمّة المُسلمة ورحمة الله وبركاته.